طفرة جينية غيرت تاريخ البشر: التفسير العلمي لتحول الخيول إلى وسيلة للتنقل

أضيف بتاريخ 09/01/2025
منصة المَقالاتيّ


كشفت الأبحاث الحديثة عن طفرة جينية حاسمة في جين GSDMC كانت وراء التحول الجذري في قابلية ترويض الخيل، مما مكن البشر من استخدامها كوسيلة للتنقل والانطلاق الحضاري قبل أكثر من أربعة آلاف عام. جذور هذا التحول تعود إلى انتقاء بشري مكثف لأولئك الخيول التي حملت تعديلاً نادراً قادراً على تغيير تشريح عمودها الفقري وطبيعة حركتها، حيث لعب هذا العامل دوراً جوهرياً في تمكين ظهور سلالات خيل مناسبة للركوب والعمل مع الإنسان. أظهرت الدراسات على حيوانات تجارب معدلة وراثياً مثل الفئران أن تعديل جين GSDMC يؤدي إلى استقامة العمود الفقري وزيادة قوة الأطراف وتحسن التنسيق الحركي، وهي مزايا انعكست بدورها على الخيول وجعلتها أكثر قدرة على تحمل راكب أو أعباء العمل.

اللافت أن انتشار هذه الطفرة الجينية في مجتمع الخيول القديمة كان سريعاً للغاية، إذ انتقلت من ندرة إلى شيوع خلال بضعة قرون فقط، ما يشير إلى أن الخيول الحاملة لها كانت أكثر تكيفاً وحققت نجاحاً تكاثرياً ملحوظاً. إلى جانب GSDMC، كشفت التحليلات الجينية عن طفرات أخرى جرى اختيارها تاريخياً، من بينها تعديل في جين ZFPM1 الذي أسهم في جعل الخيول أكثر هدوءاً وقبولاً للترويض، وهو أمر كان أساسياً للمراحل الأولى من الاستئناس. ويرى العلماء أن الانتقاء المركز على خصائص مثل التكوين الجسدي والقدرة على الترويض كان عاملاً محدداً في بروز الخيل كقوة محركة في المجتمعات البشرية، بينما لم يكن الشكل أو لون الفراء سوى اعتبارات ثانوية في بدايات هذه العلاقة.

التأثير الاجتماعي والحضاري لهذا التحول الجيني كان هائلاً؛ إذ ظهرت بفضل الخيول المروضة نقلة نوعية في حركة الإنسان وتوسع التجارة والحروب والزراعة، وترسخت مجتمعات سادت فيها حركية غير مسبوقة عبر السهوب الأوراسية. هذا مثال واضح على كيف يمكن لتغير جيني بسيط أن يمثل نقطة انعطاف مفصلية في مسار التاريخ، فهو فصل جديد في قصة تفاعل العلم مع أقدم علاقات الشراكة بين البشر والحيوانات.