تمثال الفايكنغ المصغر: العاج يكشف أسرار النخبة الإسكندنافية

أضيف بتاريخ 08/31/2025
منصة المَقالاتيّ


تظهر قطعة أثرية صغيرة اكتشفت في متحف الدنمارك الوطني أبعادًا جديدة غير مسبوقة عن حياة ومكانة النخبة في مجتمع الفايكنغ. فالتمثال العاجي، الذي يبلغ طوله ثلاثة سنتيمترات فقط، صُنع بدقة استثنائية في القرن العاشر من ناب الفظ، ويوثّق ملامح وسمات حقيقية لفارس أو زعيم عاش في فترة حكم الملك هارالد بلوتوث. ما يجعل الاكتشاف مثيرًا للدهشة هو تفاصيل الوجه والشعر غير المسبوقة في أعمال الفايكنغ الفنية، إذ يظهر الرجل بشعر مفروق من المنتصف ومموج من الجانبين ومقصوص من الخلف، مع شارب كثيف ولحية مضفورة وسوالف محددة بعناية. لا تكشف هذه التفاصيل عن مهارة النحات فحسب، بل وتبرز جانبًا اجتماعيًا مهمًا لطالما غفل عنه كثير من الباحثين وصورة عامة ظلت أسيرة الكليشيهات حول الفايكنغ كبرابرة أو محاربين متوحشين.

يمثل هذا التمثال التي عثر عليه في قبر فارس بالقرب من أوسلو بدولة النرويج، أول مجسم ثلاثي الأبعاد حقيقي لإنسان من عصر الفايكنغ يُعرَض بواقعية، ويؤكد أن عناصر الموضة الشخصية، مثل تصفيف الشعر وتنسيق اللحية، كانت علامات تميز اجتماعي لدى النخبة. فالمواد الثمينة المستعملة كالعاج تدل على القيمة والهيبة، وكذلك يعتقد الباحثون أن وضعية اليد على الذقن أو اللحية وتشابهها مع رمزية ألعاب "الهنيفاتافل" المعروفة بـ"شطرنج الفايكنغ" له دلالة على السلطة والرجولة والقيادة. هذا الجانب الفني يبتعد تمامًا عن التمثيلات التقليدية المجردة أو الحيوانات الرمزية المعهودة، ليمنح المتخصصين فكرة أوضح عن الذوق، وعلاقات السلطة، وأبعاد الهوية الفردية لدى طبقات المجتمع الرفيعة.

ظهور هذا التمثال إلى دائرة الضوء بعد أكثر من 200 عام من تخزينه جاء بفضل الأبحاث الحديثة واهتمام المتاحف بإبراز جوانب جديدة حول العصور القديمة، خاصة معرض "تحذير الذئب" الذي يركز على الروحانيات والرموز في عصر الفايكنغ. تؤكد جميع الدلالات المتعلقة بالتمثال أن النخبة الإسكندنافية قد أولت اهتمامًا للشكل الخارجي والعناية بالهيئة، في تناسق مع مكانتها وثقافتها الرمزية والاجتماعية، لتعيد تركيب صورة الفايكنج بعيدًا عن التبسيط المعتاد وتقرّبها من الواقع والعمق التاريخي الذي تبرزه المكتشفات الحديثة.